في خطوة رائدة نحو الاستدامة، طورت جامعة RMIT في أستراليا تقنية مبتكرة تستغل ملوثات مياه الصرف الصحي لتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يقلل الاعتماد على المياه العذبة النادرة ويحول عبء بيئي إلى فرصة طاقية. يأتي هذا الابتكار في وقت يُصرّف فيه أكثر من 80% من مياه الصرف الصحي عالميًا دون معالجة، مما يجعل هذا الحل واعدًا لمعالجة التلوث ونقص الموارد معًا.
آلية عمل الابتكار
قاد الأستاذ المشارك ناصر محمود من كلية العلوم بجامعة RMIT فريقًا بحثيًا بالتعاون مع جامعة ملبورن، الأسترالي Synchrotron، وجامعة نيو ساوث ويلز، لتطوير أقطاب كهربائية تستخدم في فصل المياه إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام طاقة متجددة. وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة ACS Electrochemistry (DOI: 10.1021/acselectrochem.5c00064)، تتميز هذه الأقطاب بأسطح كربونية ماصة، مصنوعة من نفايات زراعية، تجذب المعادن مثل البلاتين، الكروم، والنيكل من مياه الصرف الصحي لتكوين محفزات مستقرة وفعالة.
تعمل الأقطاب في نظام يضم قطبًا موجبًا (أنود) وقطبًا سالبًا (كاثود) في وعاء يحتوي على مياه صرف صحي تمت معالجتها جزئيًا لإزالة النفايات الصلبة والمواد العضوية. عند تمرير تيار كهربائي متجدد، تحدث تفاعلات كهروكيميائية: عند الكاثود، تكتسب جزيئات الماء إلكترونات لتكوين غاز الهيدروجين، بينما تفقد الماء إلكترونات عند الأنود لتكوين الأكسجين. يمكن جمع الهيدروجين كوقود نظيف، بينما يمكن إعادة استخدام الأكسجين في محطات معالجة مياه الصرف الصحي لتقليل المحتوى العضوي، مما يعزز كفاءتها.
قال محمود: "يتميز ابتكارنا باستغلال المواد الموجودة في مياه الصرف الصحي لتسريع التفاعلات الكهروكيميائية، مما يلغي الحاجة إلى المياه النقية ويقلل التكاليف." استمرت التجارب المعملية لمدة 18 يومًا مع انخفاض طفيف في الأداء، مما يظهر متانة التقنية وإمكانية تطبيقها.
أهمية الابتكار
تأتي هذه التقنية في سياق عالمي يواجه تحديات بيئية كبيرة. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2022، يُصرّف 80% من مياه الصرف الصحي عالميًا دون معالجة، مما يؤدي إلى تلوث الأنهار والبحار. كما أن المياه العذبة، المستخدمة تقليديًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر، تُعد موردًا نادرًا في مناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا. ابتكار RMIT يحول هذا العبء البيئي إلى مورد قيم، حيث تستخدم الملوثات المعدنية في مياه الصرف الصحي كمحفزات، مما يقلل تكاليف الإنتاج ويخفف الضغط على الموارد المائية.
علاوة على ذلك، يساهم استخدام النفايات الزراعية في صنع الأسطح الكربونية في تعزيز الاقتصاد الدائري، مما يجعل التقنية فعالة من حيث التكلفة ومستدامة. قالت الأستاذة نيكي إشتياغي من كلية الهندسة بجامعة RMIT: "هذا الابتكار يعالج التلوث ونقص المياه معًا، ويحول مياه الصرف الصحي إلى مصدر قيم لإنتاج الطاقة النظيفة."
الفوائد الاقتصادية والبيئية
يدعم الهيدروجين الأخضر، الذي يُنتج باستخدام طاقة متجددة، تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف السابع (الطاقة النظيفة بأسعار معقولة). تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) لعام 2023 أشار إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يشكل 12% من استهلاك الطاقة العالمي بحلول 2050 إذا تسارعت الاستثمارات. كما يوفر الابتكار فرصًا اقتصادية من خلال خلق وظائف في قطاعات الطاقة ومعالجة المياه، مع تقليل تكاليف معالجة مياه الصرف الصحي.
من الناحية البيئية، يقلل الابتكار من التلوث الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة، بينما يوفر بديلًا مستدامًا لإنتاج الهيدروجين الذي يعتمد عادةً على المياه النقية. كما يعزز الأكسجين الناتج كفاءة محطات المعالجة، مما يساهم في تقليل الانبعاثات.
التحديات والخطوات المستقبلية
أوضح الدكتور محمد حارث، أحد الباحثين المشاركين، أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحسين كفاءة المحفزات واختبار التقنية مع أنواع مختلفة من مياه الصرف الصحي لضمان شموليتها. وأضاف: "يجب اختبار النظام في ظروف متنوعة للتأكد من جاهزيته للتطبيقات التجارية." كما تسعى جامعة RMIT إلى التعاون مع الصناعات وسلطات المياه عالميًا لتطوير أنظمة تجارية تعتمد على هذه التقنية، مما يعزز إمكانية التوسع على نطاق واسع.
آفاق التعاون
تدعو جامعة RMIT الشركات والحكومات إلى التعاون لتطبيق هذه التقنية على نطاق تجاري، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المياه وارتفاع تكاليف معالجة النفايات. يمكن أن تسهم هذه الشراكات في تطوير حلول مستدامة للطاقة والمياه، مع دعم الاقتصادات المحلية من خلال خلق فرص عمل وتقليل التكاليف البيئية.
خاتمة
يمثل ابتكار جامعة RMIT خطوة ثورية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث يحول ملوثات مياه الصرف الصحي من عبء بيئي إلى مورد قيم. من خلال استغلال المعادن الموجودة في مياه الصرف الصحي واستخدام نفايات زراعية، تقدم التقنية حلاً فعالاً من حيث التكلفة ومستدامًا، يعزز الأمن الطاقي ويخفف الضغط على الموارد المائية. مع استمرار البحث والتعاون الصناعي، يمكن أن يلعب هذا الابتكار دورًا حاسمًا في تحقيق انتقال عالمي نحو الطاقة النظيفة.
المراجع
جامعة RMIT، "ملوثات مياه الصرف الصحي تعزز إنتاج الهيدروجين الأخضر"، 18 يوليو 2025.
محمود، ناصر وآخرون، "تسخير مياه الصرف الصحي كمعدل للمحفزات لإنتاج الهيدروجين المستدام"، ACS Electrochemistry، 2025 (DOI: 10.1021/acselectrochem.5c00064).
الأمم المتحدة، "تقرير المياه العالمي 2022"، 2022.
الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، "الهيدروجين: نظرة عامة عالمية 2023"، 2023.
تعليقات
إرسال تعليق